ما وراء اللغة: بحث في التباس نسق المعرفة والاعتقاد عند المتعلم المغربي خلال تعامله مع المعاني السياقية للنصوص في الكتاب المدرسي: " المنير في اللغة العربية " نموذجا
الكلمات المفتاحية:
الكفاية القرائية، الازدواجية اللغوية، التباس الدلالة، تمثلات المتعلم، التأويل السياقيالملخص
يروم هذا البحث إماطة اللثام عن الصعوبات والإكراهات التي تواجه المتعلم، والمرتبطة أساسا؛ بنوعية وطبيعة النصوص الشعرية والنثرية التي تتصدى لمعالجة قضايا ومفاهيم مختلفة ، يضمها الكتاب المدرسي بين طياته ، من أجل غاية واحدة، تتمثل في جعل المتعلم قادرا على التواصل بلغة عربية سليمة[1]، لا سيما في السلك التأهيلي ، الذي يسعى بشكل عملي إلى تعميق المعرفة باللغة العربية، والرقي بها، إلى مستويات أخرى ،تتجاوز عتبة التواصل المباشر بها، نحو التفاعل مع النصوص من خلال تذوقها، والقدرة على نقدها، وكذا سبر غور الألفاظ والتراكيب ، حتى يصل إلى مستوىً أعلى[2]، يُتيح إعمال مهارة الإنتاج اللغوي، التي من شأنها أن ترقى بالصناعة الأدبية مستقبلا لدى الناشئة.
إذن، كُلُّها رهانات حقيقيّة، يسطرها المنهاج التعليمي ضمن البرامج الخاصة بتدريس اللغة العربية، ويَدْعمها بأنشطة لغوية دقيقة، ومنطلقات وأسس تربوية ، منذ السلك الابتدائي إلى التأهيلي، من أجل جعل المتلقي ( التلميذ) قادرا على استيعاب تمفصلات اللغة ، ومكنوناتها، وندلل على ذلك بما ورد في التوجيهات الخاصة بالسلك الثانوي التأهيلي : " تقوم مقاربة النصوص النثرية والشعرية بالجذع المشترك على مراعاة مبدأ اِعتماد القراءة البيداغوجية التي تُكسب المتعلم مهارات قرائية متعددة، تمكنه بشكل متدرج من الانفتاح على نصوص متنوعة، يتطلب ولوج عوالمها قدرات ومهارات معينة، ترتبط في مُجملها بالكفاية القرائية..."[3].
وفي منحىً آخر، يحق لنا أن، نُسائل هذه الكفاية القرائية، من خلال الوقوف على تتبع مدى توافقها واِنسجامها مع الوضعية اللغوية، التي يفكر بواسطتها المتعلمون المغاربة في العربية المعيار ، والتي تتأرجح بين النسق الدارج والفصيح، وعلاقات التأثير والتأثر بينهما، ونظرا لهذا الوضع الخاص، تبرز إشكالات بحثية كبرى ، علّ أبرزها موضوع هذا البحث، المتعلق بالتباس نسق المعرفة والاعتقاد لدى المتعلم، عندما يواجه معاني النصوص المختلفة ، بعُدّةٍ دلالية مستقاة من الآثار اللَّسْنِيَةِ وكذا التصورية، للغته الأولى، ثم مايلبثُ أن يجدها غير متطابقة مع المعنى المقصود من النص/ الخطاب.
كيف يزيل المتعلم المغربي هذا الالتباس الحاصل في معاني النصوص التي يدرسها ؟، خاصة؛ وأنه في بعض الأحيان، يصطدم ببعض المفردات في المحيط اللساني للغة المعيار، التي تتصل بالنسق الدارج؛ من باب التماثل الشكلي بينهما ليس إلا ، فيعتقد بأن التطابق حاصلٌ بين اللفظين على مستوى الدلالة أيضا، نتيجة لما اِستحضره من ألفاظ، تشابهت عليه في نسقه الدارج المكتسب[4]؟، ثم كيف يحس بالالتباس الحاصل أصلا ، وماهي الوسائل والآليات التي تُمَكِّنُه من إيجاد التأويل الصحيح للفظ/ الجمل؟، وذلك في ظل استضماره لنسق معرفي واعتقادي، يختلف بالضرورة، عما يتعامل معه من تراكيب في النسق المعيار / الفصيح .
إن البحث في مجموع هذه الإشكالات، يجب أن يرتبط أيضا بتتبع الاستراتيجيات التي يعمل وفقها المنهاج، في سبيل تدارك هذا الإشكال ذو العلاقة بمداخل ومنطلقات، تتجاوز ماهو لغوي إلى مايصطلح عليه" بما وراء اللغة"، فكيف يتعامل المنهاج ( نظريا) والكتاب المدرسي ( تطبيقيا) مع اِعتقادات المتعلم ومعرفته، التي تعتبر مؤشرا على حصول الالتباس حين التعامل مع المعاني السياقية للنصوص المختلفة، التي يتم إقرارها؟.
إن الأفكار والاعتقادات تحفز على تطور اللغة، وبتأمل النصوص التي تمت برمجتها في الكتب المدرسية بصفة عامة، نجد أن كل نص فيها، يرمز إلى نسق من الاعتقادات، والأنظمة الخطابية، التي يسعى أصحابها إلى تمريرها، وتختلف عن ماهو موجود ذهنيا لدى التلميذ.
تجدر الإشارة إلى أن إيراد هذه الفكرة، هو من باب تعميق البحث في كيفيات إحساس متعلمنا أولا؛ كما أسلفنا ؛ بهذه الاعتقادات، ثم تتبع الآليات التي يجترحها من أجل فك الالتباس الحاصل، عندما يصطدم بأن الاعتقاد الذي بناه / استدعاه؛ حول سياق النص المدروس، لايتماشى مع تصوراته واعتقاداته.
وعليه، فإنه من الممكن جدا، أن تتم عملية تأويل نص شعري / نثري...، بأكمله وفق قراءة مختلفة، عما أراده صاحب النص، وغير خافٍ أن هذا مظهر واحدٌ فقط؛ من بين مظاهر الالتباس التي يتم رصدها في الكتاب المدرسي، إذ إن هناك عديدا من المظاهر، من أبرزها على سبيل المثال : التباس الزمن في هذه النصوص، والمأثورة منها بشكل خاص.
بالتأكيد، فإن قضية الالتباس بصفة عامة، تبعث من جديد إشكالية أكاديمية كبرى، لايزال مداد الباحثين والمفكرين يسيل من أجل تغيير واقعها؛ المحيط بعملية تدريس اللغة العربية الفصحى / المعيار عموما، والتي تتبلور في كيفية اِكتساب المتعلم المغربي للمقولات العربية ولمعانيها السياقية (التداولية)، بشكل أخص، وذلك في ضوء نسق استضمره واكتسبه بطواعية ، دونما ضغط قواعدي، وهو النسق الدارج في مقابل النسق الفصيح الذي يتعامل معه متأخرا.
يقف موضوع البحث عند هذه الإشكالات؛ التي يولدها الحديث عن اللغة والتفكير فيها بواسطة اللغة نفسها، وذلك من خلال إعمال منهج تحليلي، يتتبع ظاهرة التباس المعرفة والاعتقاد في الكتاب المدرسي، اِنطلاقا مما توافر في نموذجٍ منه، وهو " المنير في اللغة العربية"، في أُفق رصد طبيعة تفكير متعلمينا في النصوص التي يدرسونها، ومدى مساهمتها في رسم مواصفات كفاية لغوية مُنتجةٍ.
يسعى المنهاج إلى جعل المتعلم متمكنا من الكفاية التواصلية والتي يحدد فحواها في " إتقان مختلف أنواع التواصل والخطاب"، وهذا هو مايحتم تنويع النصوص .[1]
[2] ورد في مضمون الكفاية الاستراتيجية المزمع بلوغها في مستوى السنة أولى من سلك الباكالوريا مايلي : "تكوين الحس النقدي في إطار التكوين الذاتي للشخصية"، ولاجدال فيما تلعبه اللغة من دور في تكوين هذا الحس. التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر 2007، ص 31.
[3] التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر 2007، مديرية المناهج، الرباط، ص 15.
[4] إن تفكير التلميذ المغربي في اللغة العربية الفصحى / المعيار، وإنتاج أبنية لغوية، تنتمي إلى هذا النسق، يتم عند الأغلبية منهم من خلال استدعاء مجموع التصورات والاعتقادات التي رافقت اكتسابهم للنسق الدارج ( أو لغتهم الأولى).